الاثنين، مارس 19، 2007

التوكــــــــــــــال



التوكال : السحر المأكول أو المشروب

نصل هنا إلى أكثر من مواضيع السحر الأسود صعوبة في التناول ولذلك ستكون أقصر الحلقات, فهذا الشكل العدواني المعروف في أوساط العامة بالتوكال يستهدف الانتقام من عدو لدود من خلال تسميمه, بواسطة اعطائه مواد أومستحضرات سامة ليأكلها أو يشربها,, ولذلك سيعفي كاتب هذه السطور نفسه من الخوض في بعض التفاصيل الخطيرة، لأسباب يقدر أن القارئ يعيها جيدا.
«التوكال» كلمة تخيف العامة وتعني بالتعبير الدارج كل ما يتم دسه للانسان في الطعام أو الشراب من مواد سامة، بغية الحاق الاذى به, وحسب الاعتقاد، فان حالة التسمم التي تنتج عن التوكال، تظهر من خلال بعض الأعراض المعروفة، كانتفاخ الجسم، والتقيؤ، وظهور بعض الأمراض الجلدية، وسقوط الشعر,,,إلخ, وبحسب نوع العناصر والمقادير المستعملة، يحدد المستفيد من العملية الأثر المطلوب كصابة بمرض مزمن، قتل فوري أو قتل بطيء.
ولاحقيقة ان هذا الشكل البدائي من الانتقام الجبان (لانه يتم دون مجابهة) معروف منذ القدم وفي العديد من الحضارات، وتكفي نظرة على مصنفات الطب القديمة اليونانية والعربية لنكتشف مدى اهتمام الاطباء العرب واليونانيين بأنواع السموم وطرق معالجة التسميم, ولا تزال تستعمل حتى الوقت الراهن بعض الوصفات التي عرفت قديما لعلاج أعراض التوكال.
وصفات الموت
قسم الدكتور شارنو، وهو طبيب شرعي في دراسة له عن التوكال خلال الفترة الاستعمارية، المواد المستعملة في المغرب، في وصفات التسميم الشعبية (المعروفة تحت اسم التوكال) الى ثلاثة أنواع:
- سموم من أصل نباتي.
- سموم من أصل حيواني.
- سموم من أصل معدني.
ويندرج ضمن النوع الأول بيض بعض الزواحف وبعض الحشرات وأيضا رأس الغراب المحروقة وغيرها، وبالنسبة للصنف الثاني، ذو الأصل النباتي، يتضمن الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية كتفاح الجن (بيض الغول) الشديد الخطورة على صحة الانسان، (وشدق الجمل) الشديد التسميم, بحيث يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان!
أما النوع الثالث من أنواع السموم ذات الاصل المعدني، فاشهرها الرهج (وهو حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص).وتباع هذه العناصر السامة لدى العطارين كأي مستحضرات عادية أخرى، رغم خطورتها الشديدة على صحة الانسان، وتستعمل أغلبها مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة كالكسكس والحريرية (التي تخلط المادة السامة مع عناصرها «الثقيلة») وأىضا بعض المشروبات كالقهوة بدون حليب.
ويمكن ان نضيف الى تقسيم الدكتور شارنو نوعا رابعا من المواد التي يعتقد العامة انها تحتوي على عناصر سامة، وتتكون من الغالب من أجزاء من جسم الإنسان كالأظافر ودم حيض المرأة الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا, ولأن الموت في اعتقاد المغاربة يعدي، فان كل ما يلمس جسد الميت، وكل ما يوجد في المقبرة ينتج بالضرورة الموت, ولذلك نجد من بين المواد المستعملة في وصفات التوكال أيضا:
التراب المجلوب من سبع مقابر مختلفة، واضلع الموتى وعظامهم وأظافرهم، وماء غسل الميت وما الى ذلك.
العلاج
من أطرف انواع العلاج المعروفة لشفاء المصاب بالتوكال: ان يضع الفقيه المعالج «جدولا» يحمله المريض معه، ويذهب لينام كي يرى في منامه الشخص الذي ناوله المستحضر السحري السام، فيعترف له (في المنام) بنوعه، وحين يستيقظ يخبر بدوره الفقيه ا لذي يسهل عليه العلاج، بعد ذلك.
وهناك طرق أخرى يلجأ إليها المختصون في صرع الجن، تقوم على تسخير مخلوقات الخفاء للكشف عن أصل ونوع الاصابة، ففي ضريح «بويا عمر» حيث تنعقد «محكمة الجن الكبرى»، «وينطق» الجن خلال حصص «الصريع» فيكشف عن اسم واضع التوكال ونوعيته!
وتعالج أمراض التوكال في هذا الضريح، الذي يؤمه زهاء مليون زائر في السنة، من خلال القيام بطقوس غريبة تتضمن تناول المريض لتراب الولي (المعروفة بالحنة)، محلولا في ماء تساوت (النهر الذي يخترق المنطقة)، ثلاث مرات في اليوم قبل الأكل، ويثير هذا الاسلوب العلاجي الغثيان لدى المريض فيتقيأ بكثرة كما يصاب بالاسهال.
وفي زعم المشرفين على العلاج ان القيء والاسهال يسمحان «بطرح» التوكال خارج الحسم, ومن الوصفات الشعبية المستعملة لعلاج التسميم ايضا بالتوكال تحضير محلول يشربه المصاب بهدف اثارة الغثيان, ثم القيء المطهر «للجوف» ويتكون المحلول من ماء البحر وأوراق الدفلى (فليو) و(شنتكورة) و(سرغينة),,.
والغريب انه في الوقت الذي يستعمل بيض الحرباء للتسميم، نجد أن الكثير من وصفات العلاج من التوكال تتضمن استعمال لحم الحرباء، والذي يطبخ غالبا مع بعض العناصر والمواد الأخرى ليأكزها المريض.
وحسب بعض العطارين فإن كل المصابين يطلبون منهم في الغالب الحرابى (جمع حرباء) حية مع مواد أخرى يصفها لهم الفقهاء المعالجون.
ويثيرر ذلك ملاحظة نسجلها حول نمطية أسلوب العلاج لدى المعالجين، حيث لكل واحد منهم طريقته التي يصفها لجميع أنواع الاصابات,,, بينما رأينا في سياق هذا المقال ان اسباب التسميم مختلفة!

ليست هناك تعليقات: